سورة يونس - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4)}
قوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} رفع بالابتداء. {جَمِيعاً} نصب على الحال. ومعنى الرجوع إلى الله الرجوع إلى أجزائه. {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} مصدران، أي وعد الله ذلك وعدا وحققه {حَقًّا} صدقا لا خلف فيه. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة {وعد الله حق} على الاستئناف.
قوله تعالى: {إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ} أي من التراب. {ثُمَّ يُعِيدُهُ} إليه. مجاهد: ينشئه ثم يميته ثم يحييه للبعث، أو ينشئه من الماء ثم يعيده من حال إلى حال. وقرأ يزيد بن القعقاع {إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ} تكون {أن} في موضع نصب، أي وعدكم أنه يبدأ الخلق. ويجوز أن يكون التقدير لأنه يبدأ الخلق، كما يقال: لبيك إن الحمد والنعمة لك، والكسر أجود. وأجاز الفراء أن تكون {أن} في موضع رفع فتكون اسما. قال أحمد بن يحيى: يكون التقدير حقا إبداؤه الخلق. قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ} أي بالعدل. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ} أي ماء حار قد انتهى حره، والحميمة مثله. يقال: حممت الماء أحمه فهو حميم، أي محموم، فعيل بمعنى مفعول. وكل مسخن عند العرب فهو حميم. {وَعَذابٌ أَلِيمٌ} أي موجع، يخلص وجعه إلى قلوبهم. {بِما كانُوا يَكْفُرُونَ} أي بكفرهم، وكان معظم قريش يعترفون بأن الله خالقهم، فاحتج عليهم بهذا فقال: من قدر على الابتداء قدر على الإعادة بعد الإفناء أو بعد تفريق الاجزاء.


{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)}
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً} مفعولان، أي مضيئة، ولم يؤنث لأنه مصدر، أو ذات ضياء {وَالْقَمَرَ نُوراً} عطف، أي منيرا، أو ذا نور، فالضياء ما يضئ الأشياء، والنور ما يبين فيخفى لأنه من النار من أصل واحد. والضياء جمع ضوء، كالسياط والحياض جمع سوط وحوض. وقرأ قنبل عن ابن كثير {ضئاء} بهمز الياء ولا وجه له، لان ياءه كانت واوا مفتوحة وهي عين الفعل، أصلها ضواء فقلبت وجعلت ياء كما جعلت في الصيام والقيام. قال المهدوي: ومن قرأ ضئاء بالهمز فهو مقلوب، قدمت الهمزة التي بعد الالف فصارت قبل الالف ضئايا، ثم قلبت الياء همزة لوقوعها بعد ألف زائدة. وكذلك إن قدرت أن الياء حين تأخرت رجعت إلى الواو التي انقلبت عنها فإنها تقلب همزة أيضا فوزنه فلاع مقلوب من فعال. ويقال: إن الشمس والقمر تضيء وجوههما لأهل السموات السبع وظهورهما لأهل الأرضين السبع. قوله تعالى: {وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ} أي ذا منازل، أو قدر له منازل. ثم قيل: المعنى وقدرهما، فوحد إيجازا واختصارا، كما قال: {وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها}. وكما قال:
نحن بما عندنا وأنت بما *** عندك راض والرأي مختلف
وقيل: إن الاخبار عن القمر وحده، إذ به تحصى الشهور التي عليها العمل في المعاملات ونحوها، كما تقدم في البقرة.
وفي سورة يس: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ} [يس: 39] أي على عدد الشهر، وهو ثمانية وعشرون منزلا. ويومان للنقصان والمحاق، وهناك يأتي بيانه. قوله تعالى: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ} قال ابن عباس: لو جعل شمسين، شمسا بالنهار وشمسا بالليل ليس فيهما ظلمة ولا ليل، لم يعلم عدد السنين وحساب الشهور. وواحد {السِّنِينَ} سنة، ومن العرب من يقول: سنوات في الجمع ومنهم من يقول: سنهات. والتصغير سنية وسنيهة. قوله تعالى: {ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ} أي ما أراد الله عز وجل بخلق ذلك إلا الحكمة والصواب، وإظهارا لصنعته وحكمته، ودلالة على قدرته وعلمه، ولتجزى كل نفس بما كسبت، فهذا هو الحق. قوله تعالى: {يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} تفصيل الآيات تبيينها ليستدل بها على قدرته تعالى، لاختصاص الليل بظلامه والنهار بضيائه من غير استحقاق لهما ولا إيجاب، فيكون هذا لهم دليلا على أن ذلك بإرادة مريد. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص ويعقوب {يُفَصِّلُ} بالياء، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، لقوله من قبله: {ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ} وبعده {وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} فيكون متبعا له. وقرأ ابن السميقع {تفصل} بضم التاء وفتح الصاد على الفعل المجهول، و{الآيات} رفعا. الباقون {نفصل} بالنون على التعظيم.


{إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)}
تقدم في البقرة وغيرها معناه، والحمد لله. وقد قيل: إن سبب نزولها أن أهل مكة سألوا آية فردهم إلى تأمل مصنوعاته والنظر فيها، قاله ابن عباس. {لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} أي الشرك، فأما من أشرك ولم يستدل فليست الآية له آية.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8